
السماريوم: الأصول الاستراتيجية للصين التي تقوّض الهيمنة العسكرية الأمريكية
في عصر أصبحت فيه الهيمنة التكنولوجية تحدد التفوق العسكري، هناك عنصر كيميائي واحد يعيد تشكيل موازين القوى العالمية بهدوء: السماريوم. ورغم أن هذا العنصر قد يبدو مجهولًا للكثيرين، إلا أنه يلعب دورًا محوريًا في مجموعة واسعة من التطبيقات الدفاعية والتكنولوجية المتقدمة. من أنظمة الصواريخ الموجهة بدقة إلى الطائرات الشبح، تدخل مغناطيسات السماريوم-كوبالت في صميم البنية التحتية للحروب الحديثة. وفي قلب هذه اللعبة الجيوسياسية توجد الصين — الدولة التي عملت على تأمين سيطرتها على هذا المورد الاستراتيجي بعناية منهجية.
ومع تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة، أصبح للسماريوم أهمية تتجاوز الكتب المدرسية إلى غرف الاجتماعات لدى مقاولي الدفاع وغرف الإحاطة لدى القادة العسكريين. إن سيطرة الصين شبه الكاملة على هذا المورد تمنحها نفوذًا غير مسبوق في وقت يمكن أن تحدد فيه هشاشة سلاسل التوريد نتيجة المعارك الاقتصادية وحتى العسكرية. يستعرض هذا المقال كيف أن هيمنة الصين على السماريوم تُعد تهديدًا مباشرًا لـ تفوق الولايات المتحدة العسكري، وما يترتب على ذلك من تداعيات على الأمن القومي، والحاجة العاجلة لأن تعيد أمريكا النظر في استراتيجيتها المتعلقة بالعناصر الأرضية النادرة.
ما هو السماريوم؟ أكثر من مجرد عنصر نادر
السماريوم، والذي يحمل الرقم الذري 62، هو عنصر من عناصر السلسلة اللانثانيدية ويعد مكونًا أساسيًا في إنتاج مغناطيسات السماريوم-كوبالت (SmCo). وتُعرف هذه المغناطيسات بقوتها المغناطيسية العالية ومقاومتها للحرارة وقدرتها على التحمل، مما يجعلها مثالية للاستخدام في تقنيات عسكرية متقدمة. ومن أبرز استخداماتها:
-
أنظمة الرادار
-
وحدات توجيه الصواريخ
-
الاتصالات بالأقمار الصناعية
-
محركات الطائرات النفاثة
-
الطائرات المسيّرة
-
أنظمة دفع الغواصات
وعلاوة على ذلك، فإن السماريوم له دور في الصناعات المدنية، لا سيما في مجالات الطاقة النظيفة مثل توربينات الرياح والمركبات الكهربائية والمفاعلات النووية، مما يرفع من الطلب العالمي عليه. إلا أن تطبيقاته في القطاع العسكري هي ما جعلته سلعة استراتيجية بالغة الأهمية.
هيمنة الصين على العناصر الأرضية النادرة: تهديد للأمن القومي
تتحكم الصين حاليًا في أكثر من 80٪ من سلسلة توريد العناصر الأرضية النادرة عالميًا، من التعدين إلى التكرير والمعالجة. أما في حالة السماريوم، فالنسبة أكبر من ذلك. فمعظم السماريوم المستخدم في العالم يُستخرج ويُعالج في مناجم صينية تقع في منغوليا الداخلية ومقاطعة سيتشوان. وهذه السيطرة لم تأتِ صدفة، بل كانت ثمرة تخطيط استراتيجي استمر لعقود ركز على العناصر الأرضية النادرة كأحد ركائز الأمن القومي والنمو الاقتصادي الصيني.
وقد حدّدت الصين في سياستها الصناعية "صنع في الصين 2025" العناصر الأرضية النادرة كعنصر حاسم في سعيها نحو الهيمنة في الصناعات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، الفضاء، الروبوتات، والدفاع—جميعها مجالات تتنافس فيها بقوة مع الولايات المتحدة وحلفائها.
السماريوم كسلاح اقتصادي صامت
ألمحت بكين بالفعل إلى استعدادها لاستخدام العناصر الأرضية النادرة كسلاح جيوسياسي. ففي عام 2010، وخلال نزاع بحري مع اليابان، أوقفت الصين مؤقتًا تصدير هذه العناصر، مما أثار الذعر في الأسواق العالمية. ومؤخرًا، وسط العقوبات الأمريكية والحرب التجارية المستمرة، هددت الصين بتقييد صادرات العناصر الأرضية النادرة للولايات المتحدة، بما في ذلك السماريوم، بذريعة "المصلحة الوطنية" و"الاعتبارات الاستراتيجية".
أي خطوة كهذه ستُضعف مباشرة قدرة الولايات المتحدة على إنتاج الأسلحة المتقدمة، وخصوصًا الأنظمة التي تعتمد على مغناطيسات السماريوم-كوبالت. تعتمد شركات الدفاع الكبرى مثل لوكهيد مارتن، رايثيون، ونورثروب غرومان على مكونات تُستورد من سلاسل توريد تمر عبر الصين. وحتى إذا تمّت بعض عمليات التصنيع محليًا، فإن المواد الخام غالبًا ما تأتي من المناجم الصينية.
وهذا يمنح الصين نفوذًا ليس فقط اقتصاديًا، بل أيضًا استراتيجيًا عسكريًا، خاصةً في حالة نشوب صراع طويل أو مواجهة مباشرة.
الرد الأمريكي: جهود متأخرة
بدأت الحكومة الأمريكية والقطاع الخاص يدركان أهمية تأمين سلسلة التوريد المتعلقة بالعناصر الأرضية النادرة. صدرت أوامر تنفيذية وتقارير من وزارة الطاقة وعُقدت جلسات استماع في الكونغرس تدعو إلى الاستثمار في التعدين المحلي وبنية المعالجة التحتية. ولكن النتائج حتى الآن كانت محدودة وغير كافية.
وبالرغم من توفر هذه العناصر في دول مثل أستراليا وكندا والولايات المتحدة، فإن القيود البيئية وتكاليف الاستخراج العالية ونقص مرافق التكرير يجعل من الصعب الاستغناء عن الصين. على سبيل المثال، شركة MP Materials التي تدير منجم "ماونتن باس" في كاليفورنيا تحاول إحياء إنتاج العناصر الأرضية النادرة في أمريكا، لكنها لا تزال ترسل بعض المواد إلى الصين لمعالجتها النهائية—نقطة ضعف واضحة.
أما في حالة السماريوم، فإن غياب قدرات التكرير خارج الصين يمثل أزمة حقيقية. فالولايات المتحدة لا تملك حاليًا البنية التحتية اللازمة لمعالجة السماريوم على نطاق واسع، كما أنها لا تحتفظ باحتياطي استراتيجي كافٍ.
تداعيات عسكرية: نقطة ضعف في الدرع الأمريكي
في عالم الحروب المتقدمة، حتى أصغر خلل في سلسلة التوريد يمكن أن يؤدي إلى كوارث استراتيجية. الصواريخ الفائقة السرعة، الأسلحة الكهرومغناطيسية، أسلحة الطاقة الموجهة—جميعها تعتمد على مكونات تحتوي على عناصر أرضية نادرة، وفي مقدمتها السماريوم.
تخيل سيناريو يحدث فيه نزاع في بحر الصين الجنوبي أو مضيق تايوان، فتقرر الصين وقف صادرات السماريوم إلى الولايات المتحدة. هذا قد يؤدي إلى تأخير كبير في إنتاج أنظمة الأسلحة الحيوية، مما يؤثر ليس فقط على البنتاغون، بل أيضًا على حلفاء الناتو الذين يعتمدون على الدعم الأمريكي.
وقد أقر البنتاغون بهذا التهديد في تقييماته الأخيرة، محذرًا من أن الاعتماد المفرط على الصين فيما يتعلق بالعناصر الأرضية النادرة، وخصوصًا السماريوم، يُعد ثغرة خطيرة في الأمن القومي.
الهشاشة التكنولوجية والصناعية
يمتد استخدام السماريوم إلى تقنيات الفضاء والحوسبة الكمومية والرقائق الإلكترونية—وهي صناعات تعتبر مفاتيح السيطرة العالمية في القرن الحادي والعشرين. وفي ظل تصاعد ما يسمى بـ "الثورة الصناعية الرابعة"، فإن الوصول إلى عناصر مثل السماريوم سيحدد من يقود ومن يتبع.
وقد ضمنت الصين سيطرتها من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، حيث أبرمت شراكات استراتيجية مع دول غنية بالعناصر النادرة في إفريقيا وأمريكا الجنوبية. وبهذه الطريقة، لا تسيطر الصين على مواردها فقط، بل أيضًا على مصادر بديلة قد تعتمد عليها الدول الغربية.
التهديد هنا لا يتمثل فقط في الندرة، بل في الاعتماد التام. فإذا لم يتمكن الجيش الأمريكي من تصنيع نظام توجيه صاروخي متطور بسبب نقص مغناطيسات السماريوم، فلن تُجدي برمجيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة شيئًا.
الطريق إلى الأمام: نداء استراتيجي عاجل
للتصدي لهيمنة الصين على السماريوم والعناصر الأرضية النادرة الأخرى، يجب على الولايات المتحدة اتباع نهج متعدد الأبعاد يشمل:
-
تطوير التعدين المحلي والبنية التحتية للمعالجة عبر شراكات بين القطاعين العام والخاص.
-
الاستثمار في تكنولوجيا إعادة التدوير لاستخراج العناصر النادرة من النفايات الإلكترونية.
-
عقد تحالفات استراتيجية مع دول مثل أستراليا وكندا والبرازيل.
-
إنشاء احتياطي استراتيجي وطني من السماريوم والمعادن الحيوية الأخرى.
-
تمويل البحث والتطوير في البدائل التكنولوجية للعناصر الأرضية النادرة.
كما أن استجابة منسقة من الدول الغربية—بما في ذلك الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية—ضرورية لتقليل اعتمادها على الصين وضمان مرونة سلسلة التوريد.
الخاتمة: ساحة معركة غير مرئية
مع احتدام المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، لم تعد حاملات الطائرات أو الرؤوس النووية هي ما يحسم التفوق—بل عناصر مثل السماريوم. فقد أصبح من الواضح أن القوة الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين تعتمد ليس فقط على الجيوش والاقتصادات، بل على الموارد غير المرئية المدفونة في أعماق الأرض.
لم يعد بالإمكان تجاهل الدور المحوري للعناصر الأرضية النادرة، وعلى رأسها السماريوم، في تشكيل توازن القوى العسكرية العالمي. لقد حان الوقت لأن تتعامل الولايات المتحدة مع السماريوم ليس كسلعة تجارية، بل كـ أصل استراتيجي لا غنى عنه للحفاظ على تفوقها التكنولوجي، أمنها القومي، ومكانتها العالمية.