
مشروع أطول جسر معلق في العالم يثير مخاوف من تدخل المافيا
في قلب جنوب إيطاليا، حيث تلامس التلال القديمة الساحل المتوسطي وتتشبث المدن التاريخية بالمنحدرات الوعرة، يجري تنفيذ مشروع ضخم غير مسبوق في طموحه. يُطلق عليه اسم جسر مضيق ميسينا، ومن المتوقع أن يصبح أطول جسر معلق في العالم، ويُحتفى به كمعجزة هندسية حديثة. تم تصميمه لربط البر الإيطالي بجزيرة صقلية، ويُتوقع أن يُحدث ثورة في النقل، ويعزز السياحة، ويزيد من اندماج جنوب إيطاليا في الاقتصادين الوطني والأوروبي.
لكن، وسط التصفيق والنماذج الجوية المبهرة، بدأت الهمسات تتعالى حول الفساد، وتورط الجريمة المنظمة، والجدل السياسي، مما ألقى بظلال طويلة على كابلات التقدم الفولاذية.
جسر بين التاريخ والابتكار
فكرة إنشاء جسر فوق مضيق ميسينا تعود إلى العصور الرومانية، لكنها ظلت على الورق لقرون طويلة. تغير الوضع في أواخر عام 2024، عندما منحت الحكومة الإيطالية الضوء الأخضر للمشروع الطموح بميزانية تجاوزت 14 مليار يورو. سيمتد الجسر على مسافة تقدر بـ 3.3 كيلومتر تقريبًا، ليحمل لقب أطول جسر معلق في العالم، متجاوزًا جسر أكاشي كايكيو في اليابان وجسر نهر يانغتسي في الصين.
بأبراج توأم شاهقة يصل ارتفاعها إلى أكثر من 400 متر فوق مستوى سطح البحر، وطريق مزدوج بست حارات، تم تصميم الجسر لتحمل الزلازل القوية والرياح المتوسطية العنيفة. ويُتوقع أن يختصر وقت السفر بين ريجو كالابريا وميسينا بمقدار 20 دقيقة، مما يجعله محفزًا قويًا للنمو الاقتصادي في المناطق الجنوبية الفقيرة.
ومع بدء وضع أولى القطع الفولاذية، بدأ الخطاب العام يتحول من الإعجاب إلى القلق.
ظلال تحوم فوق الفولاذ: مزاعم بتورط المافيا
هذا الأسبوع، تم تسريب تقرير سري أعدته إدارة مكافحة المافيا الإيطالية (DIA) لعدة وسائل إعلام محلية، مما أشعل عاصفة من الجدل. يشير التقرير إلى أن منظمات إجرامية — وعلى وجه الخصوص ندرانغيتا من كالابريا وكوزا نوسترا من صقلية — تحاول التسلل إلى هذا المشروع العملاق الذي تبلغ قيمته عدة مليارات من اليوروهات.
وبحسب مصادر مقربة من التحقيق، فإن هناك معلومات استخباراتية موثوقة تشير إلى أن شركات وهمية مرتبطة بالجريمة المنظمة قد قدمت بالفعل عروضًا للحصول على عقود من الباطن، بهدف غسل الأموال، وبسط النفوذ، والسيطرة على العقود طويلة الأجل في المنطقة.
كما أشار التقرير إلى مخاوف من الرشوة والعمولات والتواطؤ السياسي، وهو ما يعيد إلى الأذهان أنماط الفساد التي شهدتها إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية وفي فضيحة "تانجينتوبولي" في التسعينيات.
ردود الفعل السياسية: نفي ومراوغة
رئيسة الوزراء الإيطالية لورا ميلوني، وهي من أبرز المؤيدين للمشروع، علّقت على هذه المخاوف خلال مؤتمر صحفي في روما اليوم، قائلة: "لن نسمح للمجرمين بخطف هذا الرمز للوحدة والتقدم. سيتم تنفيذ الرقابة الصارمة والشفافية وبروتوكولات مكافحة المافيا في كل مرحلة من مراحل هذا المشروع التاريخي."
لكن النقاد يرون أن هذه التأكيدات قد لا تكون كافية. فقد أعربت أحزاب المعارضة، وجماعات حماية البيئة، والمجتمع المدني عن شكوكهم في قدرة الحكومة على منع تسلل المافيا إلى عقود البنية التحتية الضخمة.
عضو حركة "النجوم الخمس" ماركو بيليني، حذر في جلسة برلمانية قائلاً: "قد يصبح هذا الجسر حصان طروادة لتوسّع المافيا ما لم نتحرك بحزم. الأمر لا يتعلق فقط بالإسمنت والصلب — بل يتعلق بحماية أسس الديمقراطية في بلادنا."
فرص اقتصادية — ومخاطر موازية
يشدد مؤيدو المشروع على الفوائد الاقتصادية التحويلية التي يمكن أن يجلبها. فبالنسبة لصقلية وكالابريا — وهما من أكثر المناطق الإيطالية تهميشًا من الناحية الاقتصادية — يُنظر إلى المشروع كبوابة لفرص عمل جديدة، وتوسيع السياحة الدولية، ودمج لوجستي أكبر في السوق الأوروبية.
وزارة البنية التحتية الإيطالية تتوقع أن يخلق المشروع أكثر من 100,000 وظيفة مباشرة وغير مباشرة على مدى فترة البناء وما بعدها.
وقد رحب العديد من أصحاب الأعمال والفنادق وشركات النقل بالمشروع. لكن، مع تنامي التفاؤل، تتزايد مشاعر القلق أيضًا. تقول أنجيلا رييزو، صاحبة متجر صغير في ميسينا: "نريد التقدم، نعم، ولكن ليس إذا كان ممولًا بأموال قذرة أو قائمًا على وعود كاذبة. لقد رأينا الكثير من المشاريع تقع في الأيدي الخطأ."
كما حذر نشطاء البيئة من أضرار لا يمكن عكسها قد تلحق بالنظام البيئي البحري الحساس في المضيق، والذي يضم الدلافين وطيور مهاجرة نادرة وأنواع فريدة. وعلى الرغم من إجراء تقييمات للأثر البيئي، إلا أن كثيرين يرون أنها كانت سطحية أو متسرعة — وهو خطر كبير إذا كانت شركات مرتبطة بالمافيا تنفذ الأعمال وتتجاوز المعايير.
المافيا والمشاريع الكبرى: نمط مألوف
ارتباط الجريمة المنظمة بالبنية التحتية العامة ليس أمرًا جديدًا في إيطاليا. من بناء الطرق في نابولي إلى إدارة النفايات في كامبانيا وإعادة إعمار لاكويلا بعد الزلازل، استغلت العصابات الإجرامية مرارًا وتكرارًا الفرص التي توفرها استثمارات الدولة.
فمع التدفقات المالية الضخمة، والتعقيد البيروقراطي، وضعف المساءلة، تصبح المشاريع الضخمة بيئة خصبة للفساد — خاصة في المناطق التي تكون فيها المؤسسات المحلية ضعيفة وأجهزة إنفاذ القانون مرهقة.
ويُعتبر جسر ميسينا، بحجمه ورمزيته، هدفًا مغريًا. فـ "ندرانغيتا"، وهي من أقوى العصابات الإجرامية في أوروبا، لها باع طويل في قطاعات البناء والتخلص من النفايات في كالابريا، وغالبًا ما تستخدم العنف، والترهيب، والتحالفات السياسية لتحقيق أهدافها.
رأي الشارع: الأمل مشوب بالحذر
أظهر استطلاع حديث أجرته شركة "يوريطاليا أناليتكس" أن 58% من الإيطاليين يدعمون مشروع الجسر، لكن 73% يعتقدون أنه معرّض بشدة لتدخل المافيا. وتنخفض نسبة التأييد بين الشباب (18–34 عامًا)، إذ يعبر كثير منهم عن مخاوف بيئية وأخلاقية.
أما في صقلية وكالابريا، فالمواقف أكثر انقسامًا. فبينما ترى بعض المجتمعات أن الجسر يمثل شمولًا طال انتظاره ضمن شبكة البنية التحتية الوطنية، يرى آخرون أنه مشروع محفوف بالخطر — وعد قد يُفسد قبل أن يتحقق.
وشارك العديد من الشخصيات الثقافية، من مخرجين وكتّاب وصحفيين، في النقاش. وقد غردت المخرجة الشهيرة فرانشيسكا فيتي قائلة: "إذا لم نستطع البناء دون فساد، فربما لا يجب أن نبني أبدًا."
الخطوة التالية: رقابة وشفافية ومجتمع مدني
استجابةً للضغط المتزايد، من المتوقع أن يُسرّع البرلمان الإيطالي هذا الأسبوع المصادقة على قانون ينص على تشكيل لجنة رقابة مستقلة تضم قضاة، ومهندسين، وصحفيين، ومراقبين دوليين. ستكون مهمة اللجنة مراجعة العقود وتدفق الأموال والموافقات على الشركات المنفذة بشكل لحظي.
كما أطلقت عدة منظمات غير حكومية منصات مراقبة جماهيرية تسمح للمواطنين بالإبلاغ عن أنشطة مشبوهة بشكل مجهول. وتُدرس أيضًا إمكانية استخدام نظم مشتريات مبنية على تقنية "البلوك تشين" لتعزيز الشفافية.
هذه الإجراءات تعكس إجماعًا متزايدًا: إذا كان مشروع جسر ميسينا سيُكتب له النجاح، فيجب أن يتم بأخلاق، واستدامة، وشفافية. وأي شيء أقل من ذلك سيكون خيانة للقيم التي يسعى المشروع إلى تجسيدها.
خاتمة: جسر إلى المستقبل أم إلى الماضي؟
لدى جسر ميسينا فرصة لأن يكون معجزة هندسية في القرن الحادي والعشرين — انتصارًا للطموح الوطني. لكن، إذا تلوث المشروع بتدخل المافيا، أو الإهمال البيئي، أو الفساد السياسي، فقد يصبح رمزًا آخر لـ الخلل المزمن الذي عانت منه إيطاليا.
العالم يراقب. وعلى إيطاليا أن تقرر: هل سيكون هذا الجسر وحدةً تربط أكثر من مجرد اليابسة؟ هل سيوحّد بين الأخلاق والطموح، وبين التقدم والحماية؟ أم سيعيد تكرار إرث مؤلم، حيث تخترق الجريمة المنظمة مشاريع التقدم، تاركة المواطنين مرة أخرى مخذولين بوعود محطمة مغلفة بالحديد والخرسانة؟
الرهانات ضخمة. وبالنسبة لسكان صقلية وكالابريا — ولإيطاليا بأكملها — قد يكون المستقبل معلقًا بالفعل.
فقرة تحسين محركات البحث (SEO):
تم تحسين هذه المدونة بعنوان مشروع أطول جسر معلق في العالم يثير مخاوف من تدخل المافيا باستخدام كلمات مفتاحية عالية الأداء مثل: فساد جسر ميسينا، أطول جسر معلق في العالم 2025، بنية تحتية مضيق ميسينا، تدخل المافيا في مشاريع البناء في إيطاليا، تحقيقات مكافحة المافيا 2025، مشروع جسر معلق عالمي، المافيا والفساد في جنوب إيطاليا، وأخبار المشاريع الكبرى في إيطاليا 2025. تهدف هذه المدونة إلى جذب القرّاء المهتمين بالبنية التحتية العالمية، والسياسة الإيطالية، والبيئة، والفساد في المشاريع العامة. تابعونا لمزيد من التحديثات حول مشاريع كبرى عالمية وتحليلات متعمقة من قلب الأحداث.
هل ترغب في تحويل هذه الترجمة إلى ملف PDF أو تنسيق معين للنشر؟