
واتساب يقدّم سياسة جديدة لتعزيز مصادر الإيرادات الإضافية
في خطوة لافتة تشير إلى تعمق أكبر في استراتيجيات تحقيق الأرباح، أعلنت منصة واتساب، التطبيق الشهير للمراسلة والتابع لشركة ميتا (Meta Platforms Inc.)، عن سياسة جديدة تهدف إلى توسيع نطاق تحقيق الإيرادات بما يتجاوز الحدود التقليدية. وابتداءً من 17 يونيو 2025، كشفت واتساب عن عدة ميزات وتعديلات موجهة للأعمال، من شأنها أن تغيّر طريقة تفاعل المستخدمين والشركات مع المنصة. ويُعد هذا التطور نقطة تحول في نموذج عمل واتساب، مع تأثيرات مباشرة على المسوقين الرقميين، والشركات الصغيرة والمتوسطة، وحتى المؤسسات الكبيرة التي تعتمد على واتساب للتواصل مع العملاء.
انتقال من الخدمة المجانية إلى تحقيق الدخل
لطالما اشتهرت واتساب بتجربة المراسلة الخالية من الإعلانات والمشفرة بالكامل. ومع وجود أكثر من 2.5 مليار مستخدم نشط حول العالم، ركزت المنصة على الخصوصية والبساطة. إلا أن الحفاظ على بنية تحتية بهذا الحجم دون رسوم اشتراك أو إعلانات مباشرة شكّل تحدياً دائماً. وعلى الرغم من إطلاق "واتساب للأعمال" WhatsApp Business لتحقيق بعض الإيرادات، تتخذ ميتا الآن خطوة جريئة من خلال سياسة شاملة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل في واتساب.
تشمل سياسة واتساب الجديدة لتحقيق الدخل ميزات محسّنة لتطبيق الأعمال، وخيارات شراء داخل المحادثات، وميزات مميزة للمستخدمين المتقدمين، بالإضافة إلى إدخال مكونات إعلانية محدودة ولكن مستهدفة ضمن النظام البيئي لتطبيق واتساب.
أهم ميزات سياسة واتساب الجديدة لتحقيق الدخل
1. المعاملات المصغّرة داخل التطبيق وبيع المنتجات الرقمية
من أبرز المستجدات في هذا التحديث هو طرح ميزة المعاملات المصغّرة داخل المحادثة، والتي تتيح للمستخدمين شراء منتجات وخدمات رقمية واشتراكات مباشرة من داخل الدردشة. هذه الميزة مفيدة بشكل خاص للمبدعين، والمعلمين عبر الإنترنت، والمؤثرين الرقميين. ويدعم التطبيق الآن بوابات دفع آمنة في مناطق متعددة، ما يسمح بتنفيذ المعاملات بسهولة.
تشمل المنتجات الرقمية التي يمكن بيعها:
-
نشرات إخبارية مدفوعة
-
الوصول إلى محتوى حصري أو مجتمعات مغلقة
-
جلسات تدريب أو استشارات فردية
-
أدلة وموارد قابلة للتنزيل
تمثل هذه الخطوة منافسة مباشرة مع منصات مثل تيليغرام بريميوم وسابستاك (Substack)، حيث يمكن للمبدعين تحقيق الدخل دون الحاجة لمنصات خارجية.
2. مستويات مدفوعة في واتساب للأعمال
لتلبية احتياجات قاعدة المستخدمين المتزايدة من الشركات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الكبرى، قدمت واتساب نموذج تسعير متدرج. ورغم أن تطبيق الأعمال الأساسي يبقى مجانياً، فإن السياسة الجديدة توفر خيار الترقية إلى واتساب للأعمال بريميوم (WhatsApp Business Premium)، الذي يتضمن:
-
تحليلات وبيانات متقدمة
-
أتمتة مهام قابلة للتخصيص
-
دعم تكامل مع أنظمة إدارة علاقات العملاء (CRM)
-
دعم فني مخصص وأولوية في الاستجابة
-
شارات موثوقة خاصة بالشركات
يهدف هذا المستوى إلى تمكين الشركات من تقديم خدمة عملاء أفضل، وتحقيق نمو في المبيعات الرقمية، وتعزيز تجربة العملاء الرقمية.
3. الإعلانات في قسم الحالة (Status)
رغم مقاومة واتساب الطويلة لفكرة الإعلانات، بدأت الشركة الآن في إدخال الإعلانات بطريقة مدروسة عبر قسم الحالة (Status)، المشابه لقصص إنستغرام. وسيبدأ المستخدمون في رؤية إعلانات مستهدفة بين تحديثات الحالة من جهات اتصالهم، فيما تبقى المحادثات الخاصة خالية من الإعلانات.
تستند إعلانات الحالة إلى بنية ميتا الإعلانية، وتعتمد على استهداف سلوكي مدعوم بالذكاء الاصطناعي بناءً على تفاعل المستخدم مع تطبيقات فيسبوك، إنستغرام، وواتساب.
يُعد هذا الأسلوب توازناً بين تحقيق الدخل والحفاظ على تجربة المستخدم من خلال حصر الإعلانات في تبويب منفصل.
4. توسيع إعلانات "انقر للدردشة" (Click-to-WhatsApp) وتكامل أعمق مع واجهة API
تعمل واتساب على توسيع نطاق إعلانات "انقر للدردشة" من فيسبوك وإنستغرام لتصبح أكثر تكاملاً في النظام الإعلاني العام. هذه الإعلانات تؤدي مباشرة إلى محادثة واتساب، مما يعزز معدلات التفاعل ويزيد من التحويلات التسويقية.
كما تقدم قدرات واجهة API المحسّنة ميزات مثل:
-
تأكيد الطلبات وتحديثات الشحن تلقائياً
-
تقديم عروض شخصية باستخدام الذكاء الاصطناعي
-
جمع ملاحظات العملاء عبر روبوتات المحادثة
هذا يعزز مكانة واتساب كأداة اتصال للأعمال بامتياز، تماشياً مع صعود مفهوم التجارة عبر المحادثة (Conversational Commerce).
مخاوف الخصوصية والشفافية
كما هو متوقع مع أي تحديث لتحقيق الدخل، أثيرت تساؤلات من قبل المدافعين عن الخصوصية. وأكدت واتساب أن كافة الرسائل لا تزال مشفرة من الطرف إلى الطرف (End-to-End Encryption)، ولا يتم استخدام محتوى المحادثات لاستهداف الإعلانات. ويقتصر جمع البيانات على البيانات الوصفية (مثل وقت الرسالة، المرسل والمستلم، ونمط الاستخدام).
وقد أضافت واتساب لوحة تحكم للخصوصية داخل التطبيق تمكّن المستخدمين من:
-
إدارة أذونات البيانات
-
الاطلاع على إعدادات تخصيص الإعلانات
-
إلغاء مشاركة البيانات للإعلانات المستهدفة (في الدول التي يُشترط فيها ذلك)
تشدد ميتا على أن الخصوصية والشفافية ستظل أساس تجربة واتساب، حتى مع إدخال ميزات تحقيق الدخل.
استراتيجية الإطلاق العالمي
ستتم عملية الإطلاق على مراحل:
-
المرحلة الأولى (يونيو–أغسطس 2025): تشمل الولايات المتحدة، البرازيل، الهند، والمملكة المتحدة.
-
المرحلة الثانية (سبتمبر–ديسمبر 2025): تغطي أوروبا، وجنوب شرق آسيا، وأفريقيا.
-
المرحلة الثالثة (بداية 2026): تشمل تحديثات إضافية مثل إدارة الحسابات متعددة الأجهزة وتكامل أوسع مع تطبيقات ميتا.
يتيح هذا الإطلاق المرحلي لشركة ميتا اختبار التجربة وتعديل الميزات بناءً على سلوك المستخدم وردود الفعل.
التأثير على المستخدمين والشركات
بالنسبة للمستخدمين العاديين
لن يلاحظ المستخدمون العاديون تغييراً كبيراً في تجربة الاستخدام. ستبقى المحادثات، والمكالمات الصوتية والفيديو كما هي. لكن سيكون بإمكانهم الآن الاستفادة من الخدمات الرقمية المدفوعة، والتجارة داخل الدردشة، وأدوات تحقيق الدخل من المحتوى.
المستخدمون الذين يسعون إلى تحقيق دخل إضافي أو إنشاء محتوى يمكنهم الاستفادة من واتساب لبيع منتجات رقمية، أو تقديم خدمات، أو إدارة مجموعات مدفوعة.
بالنسبة للشركات
يُعتبر هذا التحديث لحظة مفصلية. واتساب يتحول إلى قناة لتحقيق الإيرادات، وليس فقط أداة للدعم الفني. يمكن للشركات الآن:
-
البيع مباشرة للعملاء عبر واتساب
-
إنشاء رحلات عميل مؤتمتة
-
تعزيز الولاء والتفاعل من خلال تخصيص المحتوى
ويُترجم هذا إلى عائد استثمار أعلى للشركات التي تعتمد على واتساب كأداة تسويق وتواصل أساسية.
الأهداف الاستراتيجية وراء سياسة واتساب الجديدة
تسعى ميتا إلى بناء نظام رقمي موحد، ومع تصاعد الطلب على الخصوصية وتقليل الاعتماد على تتبع الإعلانات، يمثل تحقيق الدخل من خلال تجارب مستخدم طوعية خطوة استراتيجية.
تشمل أهداف استراتيجية واتساب:
-
تقليل الاعتماد على الإعلانات التقليدية
-
الاستفادة من نمو التجارة عبر المحادثة
-
دعم الاقتصاد الرقمي للمبدعين
-
تحقيق أرباح مستدامة دون المساس بثقة المستخدم
من خلال الاستفادة من القاعدة الضخمة للمستخدمين، يمكن لواتساب تحقيق إيرادات كبيرة دون الحاجة إلى منصة جديدة.
ردود الأفعال وتحليلات السوق
يرى خبراء الصناعة أن هذه الخطوة طال انتظارها لكنها جاءت في الوقت المناسب. ووفقاً لتحليلات غولدمان ساكس، قد تضيف خدمات واتساب الموجهة للشركات والتجارة الرقمية ما بين 10 إلى 15 مليار دولار سنوياً إلى إيرادات ميتا بحلول 2027.
وتستعد وكالات التسويق لتقديم خدمات خاصة بواتساب، مثل تطوير روبوتات محادثة، حملات إعلانية على "الحالة"، وتكامل مع أنظمة إدارة العملاء. هذا يفتح الباب أمام فرص عمل جديدة في مجالات مثل تصميم المحادثات، أتمتة التسويق الرقمي، وتقنيات تجربة العملاء.
رغم بعض التحفظات من قبل جماعات الدفاع عن المستهلك، فإن الملاحظات الأولية من المستخدمين في مرحلة الاختبار التجريبي كانت إيجابية، خاصة من حيث استقرار الميزات المدفوعة، وأمان المعاملات، وسهولة الاستخدام للشركات.
الخلاصة
تعكس السياسة الجديدة لواتساب توجهاً عالمياً نحو تحويل منصات الرسائل إلى أسواق رقمية. ومع استمرار ميتا في دمج وظائف التواصل، والتسويق، والتجارة، فإن تطور واتساب من تطبيق مراسلة إلى منصة تجارية رقمية متكاملة بات أمراً واضحاً.
بفضل خيارات تحقيق الدخل للشركات، وتحسينات التجربة للمستخدمين، وحرصها على الخصوصية، تستعد واتساب لتكون أداة تمكين اقتصادي في العصر الرقمي.