
الإمارات العربية المتحدة: رائدة عالمية في مجال القياس
في عالم اليوم، حيث تُعد الدقة والموثوقية أساس التقدم التكنولوجي، أصبحت علوم القياس – أو ما يُعرف بـ"الميترولوجيا" – حجر الزاوية في الابتكار والتنافسية العالمية. ومن بين الدول التي تقود هذا المجال الحيوي، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كقوة تقدمية، لا تتعامل مع القياس كعلم فحسب، بل كأولوية وطنية استراتيجية. وبحلول عام 2025، باتت الإمارات تحتل موقع الريادة عالميًا في مجال الميترولوجيا، موحّدة بين المعايير التقليدية والابتكارات المستقبلية بكفاءة ورؤية لافتة.
فهم الميترولوجيا: أساس الدقة
الميترولوجيا، أو علم القياس، توصف غالبًا بأنها "البنية التحتية الصامتة" في المجتمعات الحديثة. فهي العلم الذي يضمن دقة وموثوقية القياسات في جميع مناحي الحياة – من ساعتك الذكية، إلى الأجهزة الطبية، مرورًا بالأدوات المستخدمة في الطيران، والصناعة، ومراقبة البيئة. هي ليست مجرد أرقام، بل تتعلق بالثقة، والسلامة، والكفاءة، والابتكار.
في قطاعات الطاقة، والصناعة، والطيران، والبناء، والدواء، تعتمد العمليات على القياسات الدقيقة لضمان الامتثال، والجودة، والسلامة. لذا، فإن الدول التي تستثمر في البنية التحتية للقياس تضمن تفوقها في الأسواق العالمية، وقد أدركت الإمارات ذلك مبكرًا، فأنشأت نظامًا متكاملًا تتطور فيه الميترولوجيا كركيزة رئيسية في استراتيجيات التنمية الوطنية.
رؤية الإمارات الطموحة في الميترولوجيا
تنطلق رؤية الإمارات في الميترولوجيا من التزامها بالتنويع الاقتصادي، والاستدامة، والابتكار. فمن خلال مبادرات مثل رؤية الإمارات 2021، ومشروع 300 مليار، والاستراتيجية الوطنية للابتكار، تطورت علوم القياس من مجال متخصص إلى أولوية وطنية. وقد تم تطوير البنية التحتية للقياس في الدولة لتتوافق مع أعلى المعايير الدولية، وتدعم في الوقت نفسه تقنيات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي، والأنظمة الذاتية، والمدن الذكية، والطاقة المتجددة.
تلعب مؤسسات بارزة مثل معهد الإمارات للمواصفات والمقاييس (EMI) وهيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس (ESMA) – والتي أصبحت الآن ضمن وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة (MoIAT) – دورًا محوريًا في ضمان توافق معايير القياس في الدولة مع المعايير الدولية. كما أن عضوية الإمارات في منظمات دولية مثل المكتب الدولي للأوزان والمقاييس (BIPM) والمنظمة الدولية للقياس القانوني (OIML) تعزز من مكانتها على الساحة العالمية.
بناء بنية تحتية متطورة للقياس
استثمرت الإمارات بشكل كبير في إنشاء مختبرات متقدمة للقياس تخدم مختلف الصناعات. توفر هذه المختبرات خدمات المعايرة، وتضع المعايير الوطنية للقياس، وتدعم البحث والتطوير. وتشمل مجالات التخصص: الحرارة، الكتلة، الطول، الزمن، التردد، الكميات الكهربائية، والتحليل الكيميائي.
يضمن النظام الوطني للقياس (NMS) التتبع والاتساق في القياسات على مستوى الدولة، وهو لا يقتصر على ضمان الجودة فقط، بل يُعد أداة استراتيجية لزيادة التنافسية. فمن خلال هذا النظام، تستطيع الصناعات الإماراتية تصدير منتجاتها بثقة، مع الالتزام بالمعايير التنظيمية العالمية.
كما أصبح القياس الرقمي محور اهتمام متزايد، حيث يجري دمج أجهزة الاستشعار الذكية، وتحليلات البيانات، وإنترنت الأشياء (IoT) في أنظمة القياس، مما يسمح بالمراقبة اللحظية وتحسين الكفاءة، لا سيما في قطاعات مثل التصنيع الذكي والزراعة الدقيقة.
الشراكات الاستراتيجية والتعاون الدولي
من أبرز أسباب نجاح الإمارات في هذا المجال هو نهجها الاستراتيجي في التعاون الدولي. فقد وقعت الدولة العديد من اتفاقيات الاعتراف المتبادل (MRAs) مع معاهد القياس العالمية، مما يضمن قبول القياسات الإماراتية عالميًا، ويسهم في إزالة العوائق التجارية وتعزيز الثقة في المنتجات الإماراتية.
تشمل الشراكات معاهد عالمية رائدة مثل NIST (الولايات المتحدة)، PTB (ألمانيا)، NPL (بريطانيا)، وNMIJ (اليابان)، مما يوفر تبادلًا للخبرات، وبناء القدرات، وتطويرًا مستمرًا للبنية التحتية التقنية. كما تستضيف الإمارات مؤتمرات وورش عمل وتدريبات دولية تساهم في نقل المعرفة إقليميًا وعالميًا.
دعم الابتكار الصناعي وجودة المنتجات
يلعب القياس دورًا محوريًا في مختلف الصناعات الإماراتية. في الطيران، تضمن القياسات الدقيقة أداء وسلامة المكونات. في النفط والغاز، تقلل المعايرة الدقيقة من الفاقد وتزيد الكفاءة. في الرعاية الصحية، تنقذ أجهزة التشخيص الدقيقة الأرواح. أما في البناء، فتضمن القياسات ديمومة وجودة المباني.
تستفيد المصانع والشركات الإماراتية من خدمات القياس في تحسين جودة المنتجات، وتقليل الفاقد، والامتثال للتشريعات. كما يعزز القياس من قدرات البحث والتطوير، ويدعم الابتكار، ويسرّع من جاهزية التقنيات الجديدة.
التعليم وتطوير الكوادر وزيادة الوعي
لضمان استدامة الريادة في الميترولوجيا، أطلقت الإمارات العديد من البرامج التعليمية والتدريبية. حيث تقدم الجامعات والمؤسسات الفنية برامج متخصصة في علوم القياس، بالإضافة إلى الشراكات الدولية التي تضمن نقل المعرفة وأفضل الممارسات.
كما تم إنشاء أكاديميات للقياس وبرامج تدريبية مستمرة تضمن تأهيل العلماء والمهندسين والفنيين الإماراتيين بالمهارات اللازمة للتميز. علاوة على ذلك، تعمل حملات التوعية العامة على ترسيخ ثقافة الجودة والدقة في المجتمع.
دور الميترولوجيا في الاستدامة والمستقبل
مع سعي الإمارات لتحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول 2050، تبرز أهمية القياس بشكل أكبر. ففي مجال الطاقة المتجددة، تُعد قياسات الإشعاع الشمسي، وسرعة الرياح، وكفاءة التخزين أمورًا حاسمة. أما في مراقبة البيئة، فتضمن القياسات الدقيقة موثوقية بيانات جودة الهواء والماء والتربة.
كما تقود الإمارات جهودًا في القياس الرقمي الذي يدمج الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وتحليلات البيانات في نظم القياس، ما يُنتج بنية تحتية أكثر مرونة وقدرة على التفاعل في الوقت الحقيقي.
تُعد الإمارات أيضًا من الدول القليلة التي تستثمر في الميترولوجيا الكمية – التي تعتمد على الظواهر الكمية لتحقيق دقة فائقة في القياس. وتشمل مجالات البحث ساعات الذرة، وأجهزة الاستشعار الكمية، وتقنيات القياس النانوي، مما يضع الدولة في صدارة الجيل القادم من التقنيات.
نموذج يُحتذى إقليميًا وعالميًا
تشكل تجربة الإمارات في الميترولوجيا نموذجًا يُحتذى، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد نجحت الدولة في دمج القياس في السياسات الوطنية والاستراتيجيات الصناعية والابتكار، مما جعلها رائدة ليس فقط في مجال القياس بل في التنمية الشاملة.
وتُعد دمج الميترولوجيا في مجالات مثل المدن الذكية، والتحول الرقمي، ومرونة الصناعة مثالًا واضحًا على النظرة الشاملة للدولة. فالأمر لا يتعلق بمجرد قياس أفضل، بل ببناء مستقبل أكثر ذكاءً وكفاءة واستدامة.
الخاتمة: قياس التقدم وتمكين التميز
في عالم يعتمد بشكل متزايد على البيانات والدقة والثقة، أصبحت الميترولوجيا أكثر أهمية من أي وقت مضى. وقد أدركت الإمارات هذا الواقع، واستجابت له برؤية واضحة واستثمارات جادة والتزام عميق. إن الإنجازات التي حققتها الدولة في هذا المجال تعكس فلسفة أوسع: أن القيادة الحقيقية لا تنبع فقط من القوة الاقتصادية أو التقنية، بل من بناء أنظمة متكاملة، مرنة، ومتوافقة مع المعايير العالمية.
وبحلول 15 يونيو 2025، تقف الإمارات بثبات كدولة رائدة عالميًا في علم القياس – لا تقيس التقدم فحسب، بل تُمكّن من التميز لأجيال قادمة.