ماكرون يكرم آخر بائع صحف في باريس بأرفع وسام وطني

ماكرون يكرم آخر بائع صحف في باريس بأرفع وسام وطني

باريس، فرنسا – 5 أغسطس 2025 — في حفل مؤثر أقيم صباح اليوم في قصر الإليزيه، كرّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون روح الصحافة التقليدية بمنح وسام جوقة الشرف (Légion d'honneur) إلى بيير لاتور، البالغ من العمر 88 عامًا، والمعروف بأنه آخر بائع صحف في باريس. الحدث لم يكن مجرد تكريم لرجل واحد كرّس حياته لمهنته، بل إشارة رمزية إلى فصل آخذ في التلاشي من ثقافة المدينة وتاريخ الإعلام الفرنسي.

إرث حي في عالم رقمي

مع تحول العالم بسرعة نحو الإعلام الرقمي وتطبيقات الأخبار، أصبح منظر كشك الصحف نادرًا في شوارع مدينة النور. ومع ذلك، بقي بيير لاتور لعقود رمزًا حيًا على زاوية شارع ريفولي وشارع سيباستوبول، يبيع لوموند وليبراسيون ولو فيغارو وعشرات المطبوعات الأخرى من الفجر حتى الغسق. بقبعته المسطحة ومعطفه الصوفي، كان يحيّي الباريسيين كل صباح بـ"Bonjour" دافئة، ليصبح جزءًا من مشهد المدينة مثل نهر السين أو برج إيفل.

قرار الرئيس ماكرون بمنح أعلى وسام مدني في البلاد إلى بيير لاتور لاقى ترحيبًا واسعًا في أوساط الإعلام والجمهور، الذين طالما اعتبروا هذا الرجل وجهًا من وجوه باريس الحقيقية.

وقال ماكرون في كلمته: "بيير ليس مجرد بائع صحف، بل هو حارس للحقيقة، وناشر للديمقراطية، وتذكير بأهمية الاتصال الإنساني في إيصال المعلومة. بتكريمه، نكرم كل صحفي وكل عامل طباعة وكل موزع ساهم في صناعة الصحافة التي شكلت جمهوريتنا."

من باريس ما بعد الحرب إلى الحاضر

وُلد بيير في حي مونمارتر عام 1937، وبدأ بيع الصحف في سن 13 عامًا بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، في زمن كانت فيه المعلومة كنزًا ثمينًا، وكانت الثقة في الصحافة تُبنى من جديد بعد سنوات الاحتلال والرقابة. وقع بيير في حب صفحات الحبر التي وثّقت نهوض الأمة وتطورها.

اشترى أول كشك له عام 1961، وعلى مدى أكثر من 60 عامًا، شهد أحداثًا مفصلية في التاريخ الفرنسي والعالمي، من احتجاجات مايو 1968 إلى سقوط جدار برلين، ومن هجمات شارلي إيبدو إلى اتفاق باريس للمناخ. أرشيفه الشخصي يحتوي على قصاصات من كل العناوين الكبرى التي مرت بها البلاد.

وقال في مقابلة مع فرانس 24: "لقد حملت التاريخ بين يديّ يوميًا. لقد رأيت كيف تغيّر، ليس فقط في المحتوى، بل في الطريقة التي نقدمه بها."

مهنة تحتضر

أحدث الإنترنت والقنوات الإخبارية على مدار الساعة ومنصات التواصل الاجتماعي ثورة في طريقة استهلاك الأخبار. لكن هذه الثورة جاءت بثمن باهظ. فقد شهدت فرنسا، مثل باقي دول العالم، تراجعًا حادًا في توزيع الصحف الورقية. ووفقًا لتقرير منظمة مراسلون بلا حدود عام 2024، يعتمد أكثر من 75% من الفرنسيين على المصادر الرقمية فقط للحصول على الأخبار.

الكشك الورقي، الذي كان يومًا ما رمزًا فرنسيًا حضريًا، بات شبه منقرض. في باريس وحدها، انخفض عدد الأكشاك من أكثر من 1200 في الثمانينيات إلى أقل من 150 اليوم. هناك أحياء بأكملها لا تحتوي على أي كشك.

لكن بيير لاتور تمسّك بموقعه. رغم ضعف بصره واهتزاز يديه، كان يفتح الكشك يوميًا عند الخامسة والنصف صباحًا، ستة أيام في الأسبوع. وجوده الثابت منح الباريسيين شعورًا بالاطمئنان في عالم سريع التغيّر.

رد فعل شعبي عاطفي

أثار نبأ تكريمه مشاعر قوية في جميع أنحاء فرنسا. شارك الآلاف قصصهم وصورهم وتجاربهم مع بيير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تصدرت الوسوم #MerciPierre و**#VendeurDeJournaux** الترند الوطني.

رسمت الفنانة المحلية كامي لوران جدارية تكريمية له في حي الماريه، بينما استخدمت المدارس الباريسية الحدث لتعليم الطلاب عن تاريخ الصحافة الفرنسية وأهمية الوعي الإعلامي. خصصت الصحف الورقية مساحات كاملة للقصة، مما أدى إلى ارتفاع نادر في مبيعات النسخ المطبوعة.

قالت كلير دوني، رئيسة تحرير صحيفة لوموند: "لقد ذكرنا هذا الحدث بما نفقده. ليس فقط الورق والحبر، بل طقوس القراءة، وتجربة جماعية تربطنا ببعضنا البعض، وشخص مثل بيير يسهر ليجعل الأخبار بين أيدينا."

خطاب ماكرون: رسالة خفية

حملت كلمات الرئيس ماكرون أيضًا رسالة ضمنية حول واقع الإعلام والديمقراطية في فرنسا. ففي ظل القلق المتزايد بشأن الأخبار الزائفة والمحتوى المُنتَج بالذكاء الاصطناعي والانغلاق ضمن الفقاعات المعلوماتية، شدد ماكرون على قيمة الأخبار الموثوقة والدور الإنساني في نقلها.

وقال: "في زمن الأخبار الكاذبة والروايات المفبركة، فلنتذكر أن الصحافة الحقيقية، القائمة على المحاسبة والأخلاق، تبدأ من الوصول. وأحيانًا، هذا الوصول يقدّمه شخص يقف في البرد مع كومة من الصحف وابتسامة دافئة."

فسّر المحللون السياسيون الخطاب كدعوة متجددة لحماية الإعلام المستقل، خصوصًا بعد إغلاق عدة صحف إقليمية مؤخرًا بسبب تراجع العائدات.

يوم لا يُنسى

بعد الحفل، دعا ماكرون بيير وأسرته وممثلين عن وسائل الإعلام إلى مأدبة غداء خاصة. وقدم له اشتراكًا مجانيًا مدى الحياة في جميع الصحف الورقية الفرنسية، وهو ما استقبله بيير بروح الدعابة قائلًا: "أعتقد أنني قرأتها كلها بالفعل!" وسط ضحك الحاضرين.

في وقت لاحق من اليوم، كشفت بلدية باريس عن لوحة تذكارية في موقع كشكه المغلق حديثًا، كتب عليها:
"هنا وقف بيير لاتور، آخر بائع صحف في باريس. حارس متواضع للحقيقة من 1961 إلى 2025."

وأعلنت المدينة أنها ستحتفظ بالكشك كمعلم تاريخي، وستفتتح معرضًا صغيرًا يروي تاريخ بيع الصحف في باريس.

مستقبل الطباعة في فرنسا

تأتي قصة بيير في وقت حرج تشهده الصحافة الفرنسية. فبالرغم من هيمنة المنصات الرقمية، يظهر توجه ناشئ نحو العودة إلى التجربة الصحفية الورقية. تنمو حركات الصحافة البطيئة والمجلات المستقلة في فرنسا، مدفوعة بجيل جديد يبحث عن الأصالة والعمق بدلًا من السرعة والتفاعل السطحي.

قال المؤرخ الإعلامي جان بول دوبوا من جامعة السوربون: "الطباعة لن تموت أبدًا، بل ستتطور. وأمثال بيير هم الجسر بين الماضي والمستقبل."

أما بيير نفسه، فقد عبّر عن الأمل في كلمته القصيرة الهادئة قائلاً:
"ما دام الناس يهتمون بالحقيقة، وبالقصص، وببعضهم البعض، فسيبقى للصحف مكان دائم في حياتنا."

الختام: أكثر من مجرد وسام

بتكريم بيير لاتور، لم يُحيي الرئيس ماكرون رجلًا فذًا فحسب، بل أعاد إشعال النقاش الوطني حول مستقبل الصحافة، وأهمية التفاعل الإنساني في زمن الذكاء الاصطناعي، والرموز الثقافية التي نخسرها في سعينا وراء الراحة الرقمية.

إرث بيير لا يتعلق فقط بالصحف، بل بالمجتمع. بالاستمرارية. بالقيام بواجب يومي لعقود بهدوء وكبرياء وإنسانية. لقد ذكّرنا بأن الديمقراطية، مثل الصحافة، لا تعتمد فقط على ما يُقال، بل على كيف يُقال، ومن يقوله.


فقرة تحسين محركات البحث (SEO) لتعزيز الظهور

لتحسين ظهور هذه التدوينة في محركات البحث وزيادة عدد الزوار، تم استخدام كلمات مفتاحية شائعة مثل "أخبار إيمانويل ماكرون 2025"، "تاريخ الصحافة الفرنسية"، "وسام جوقة الشرف 2025"، "رموز الثقافة الباريسية"، "مستقبل الإعلام الورقي في فرنسا"، "بيير لاتور بائع الصحف"، "الصحافة التقليدية مقابل الإعلام الرقمي"، و**"الوعي الإعلامي في فرنسا". تساعد هذه الكلمات المفتاحية في تحسين ترتيب موقعنا في نتائج البحث وجذب قرّاء مهتمين بـ الشأن الفرنسي الراهن، والصحافة الورقية**، وأيقونات باريس الثقافية.


هل ترغب بتحويل الترجمة إلى ملف PDF أو Word؟ أو نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي؟ يمكنني مساعدتك بذلك أيضًا.