صناعة التعرف على الوجه في الصين: صعود تجارة مدفوعة بالبيانات

صناعة التعرف على الوجه في الصين: صعود تجارة مدفوعة بالبيانات

في قلب الثورة الرقمية المتسارعة، تطلّ صناعةُ التعرف على الوجه في الصين كمحور أساسيّ في مستقبل التكنولوجيا العالمية. لقد نشأت هذه الصناعة من بيئة حيوية من التعاون الوثيق بين القطاعين الحكومي والخاص، مدفوعةً بقيام نظام الدولة بالتخطيط والتوجيه، وشغف الشركات الصينية الكبرى مثل هواوي، علي بابا، وبيتيا بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. أدّت الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية وعمليات البحث والتطوير إلى بلورة قطاعٍ فريد يتميّز بالديناميكية ويغذيه تدفقٌ هائل من البيانات.

🧠 التحول الرقمي وتنامي الذكاء الاصطناعي

في العقد الأخير، تصاعدت وتيرة التطور في الصين من حيث الذكاء الاصطناعي Computer Vision. حيث استثمرت الحكومة الصينية مبالغ طائلة في إقامة شبكةٍ وطنية للكاميرات، ترافقها بيانات ضخمة تغذّي خوارزميات التعرف على الوجه، لتتيح استخدامها في الأمن العام، مراقبة المرور، وإدارة الخدمات المدنية. وقد ساعدت تقنيات مثل التعلم العميق Deep Learning ونُظم الرؤية الحاسوبية على تحسين معدلات الدقة وتقليل الأخطاء، مما جعل هذه التكنولوجيا موثوقةً إلى حد لا مثيل له عالميًّا.

🏢 اللاعبون الرئيسيون في السوق

الحكومة ليست الوحيدة التي تستفيد من هذه التكنولوجيا؛ بل ساهمت شركات كثيرة في تطويرها:

  • هواوي Huawei: طوّرت وحدات استشعار وكاميرات مدعومة بالذكاء الاصطناعي تعتمد التعرف على الوجه لإدارة حركة المرور ومراقبة الحدود.

  • علي بابا Alibaba Cloud: بَسَطت قدراتها السحابية لتقديم خدمات تحليل الفيديو في الزمن الحقيقي، تشمل ضمان الأمان في المنافذ الحيوية والتجارة الإلكترونية عبر تقنيات التحقق الوجهي.

  • بيتيا Megvii (Face++): هي رائدةٌ بالأساس في مجال التعرف على الوجه، تقدم واجهات برمجة تطبيقات API للشركات لاستخدامها في نقاط البيع، السفر، والمؤسسات المصرفية.

إلى جانب هؤلاء، هناك عشرات الشركات الناشئة – بكيونيكوز SenseTime، وستار سيت Zebra Medical Vision – تُعدّ نماذج لابتكار متواصل في القطاع.

🛡 استخدامات الأمن العام والخدمات المدنية

أصبحت تقنية التعرف على الوجه أداةً رئيسية للحكومة الصينية لتعزيز السلم المجتمعي. في مبادرة "المدينة الآمنة"، تُمكّن المشاهد الكامرات عبر الشوارع من التعرف الفوري على الأشخاص المطلوبين، مما يقلل من الجرائم ويعزز الرد السريع. كذلك، تُستخدم هذه التكنولوجيا في متابعة حركة الحشود، الكشف عن الحوادث المرورية، ومراقبة أماكن الجذب مثل الملاعب والمطارات.

كما تتوسع التطبيقات المدنية لتشمل:

  • المصارف: لإجراءات فتح الحساب والتحقق من هوية العميل.

  • المطارات والقطارات: للمرور السريع بدون وثائق شخصية.

  • التجزئة: للدفع الذكي والتخصيص الفوري لتجربة العميل.

📈 السوق والاقتصاد

بحسب تقارير حديثة، بلغت قيمة سوق التعرف على الوجه في الصين حوالي 30 مليار يوان (حوالي 4.5 مليار دولار) في 2024، مع توقعات تصل لأكثر من 100 مليار يوان بحلول 2028. هذا النمو الكثيف يدل على أن الاقتصادات المعتمدة على البيانات، كما في الصين، قادرة على إنتاج صناعاتٍ ذات قيمة مالية عالية وتعزيز EBITDA للقطاع التكنولوجي ككل.

🔐 قضايا الخصوصية والأخلاقيات

رغم فوائده، تواجه صناعة التعرف على الوجه انتقادات بشأن الخصوصية، إذ لا توجد قوانين حماية بيانات شاملة مماثلة للائحة الاتحاد الأوروبي GDPR. بينما أصدر البرلمان الصيني قوانين أُطرية حول حماية معلومات الشخصية خلال 2021–2023، ما زال الغموض يحيط بتفاصيل إجراءات التخزين، المشاركة، والتخلص من البيانات. كما أثار انتقادٌ داخليٌ من منظمات المجتمع المدني حول احتمال إساءة استخدام هذه التقنية في المراقبة الجماعية.

🌐 الطموحات العالمية

لم يعد دور الصين في هذه الصناعة محصورا داخل الحدود، بل بدأت الشركات الكبرى بتصدير تقنياتها إلى الأسواق الناشئة في إفريقيا، آسيا الوسطى، وأمريكا اللاتينية. تدعم شركات حكومية هذه المبادرات عبر تمويل المشاريع الكبرى كجزء من "الحزام والطريق". ومع دخول التكنولوجيا الصينية إلى أسواق جديدة، يظل التحدي أمامها هو كسب ثقة المستخدمين والامتثال الرقمي لمعايير الخصوصية العالمية.

🧩 التكنولوجيا المتقدمة: من البيانات الضمنية إلى الذكاء الاصطناعي الاستباقي

تعتمد الصين على الكم الهائل من البيانات المُجمعة من كاميرات الدولة، إذ تعد الأكبر عالميًا في هذا الجانب. تُستخدم هذه البيانات لتدريب نماذج التعلم العميق، ما يساهم في تحسين دقة التعرف على الوجوه، والتمييز بين الوجوه الشابة والمسنّة، الكشف عن المشاعر، وحتى معرفة توجهات السير. تعمل الشركات الآن على دمج ذاك مع تقنيات التنبؤ الوقائي مثل كشف السلوكيات العنيفة قبل وقوعها، وهو تطور يوازي الرؤية المستقبلية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخلاقية.

🏛 التنظيم والحوكمة

تعكف الحكومة الصينية حاليًّا على تنظيم الصناعة عبر 3 محاور:

  1. الترخيص: تفرض حظرًا أو قيودًا على شركات التعرف على الوجه قبل أن تمنحها تراخيص العمل.

  2. التدقيق والاعتماد: تشمل تقييم السلامة التقنية والدقة.

  3. مراقبة التصدير: تنظيم مبيعات التقنية خارج الصين، خاصة إلى الدول المعرضة لانتقادات الحقوق المدنية.

الخطوة الأخيرة تستهدف الحفاظ على الصورة الدبلوماسية للصين في شكل استخدام التكنولوجيا خارجيا.

🚀 التحديات المحتملة

  • تحوّل تشريعي فجائي: صدور قوانين جديدة قد يفرض قيودًا واضحة على تخزين واستخدام البيانات.

  • المنافسة العالمية: شركات أمريكية وأوروبية (مثل أمازون AWS، جوجل، مايكروسوفت) تطوّر تقنيات منافسة واقعة في بيئة تنظيمية أكثر حماية لخصوصية المستخدم.

  • ثقة الجمهور: من دون آليات معززة للخصوصية، يمكن أن يزداد الخوف الشعبي والدولي تجاه "مراقبة الدولة".

🤖 مستقبل التعرف على الوجه في الصين

المشهد المستقبلي لصناعة التعرف على الوجه في الصين يبدو كالتالي:

  • دمج بين البيانات الحيوية والبيانات السياقية: لتقديم تحويلات ذكية في المدن، كالتنبؤ بالازدحام أو توجيه الموارد الأمنية بشكل آني.

  • وجه إلى واجهة الدفع: تستبدل بطاقات الائتمان في المتاجر والمطاعم الصينية الكبرى.

  • تحول نحو الذكاء الاصطناعي القابل للحوكمة: تطوير "ذمم بيانات VEIL" لتشفير وحماية البيانات الحيوية، مما قد يعزز الثقة الدولية.

كما أن الذكاء الاصطناعي يمدّد مجال تطبيق تقنية الوجه ليشمل جيل جديد من السيارة الذكيّة التي تعرف صاحبها وتحسب المسار، وأنظمة الرعاية الصحية التي تقيس مؤشرات بيولوجية من نبضات الوجه.


الخلاصة

بفضل فكرة "اقتصاد البيانات" والنهج الشامل بين الدولة والقطاع الخاص، صارت الصين رائدة عالمية في التعرف على الوجه. ومع ذلك، فإن نمو هذه الصناعة يأتي بتحديات جادة خاصةً في موضوعات الخصوصية، الثقة العامة، والالتزام الأخلاقي. المستقبل يتضمن مزيدًا من الدمج بين الذكاء الاصطناعي والحوكمة الرشيدة، مع ضرورة توازن يضمن الاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا، ولمصلحة الإنسان أولًا وقبل كل شيء.


فقرة تحسين السيو (SEO)المشروحة في النسخة الأصلية.